تحدث المخرج الفلسطيني أحمد الدنف، في حوار خاص مع موقع «نايل إف إم»، عن فيلم «ضايل عنا عرض»، الذي فاز بجائزة الجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته السادسة والأربعين.
ويتحدث الفيلم عن فرقة «سيرك غزة الحر» التي أصرت على مواصلة عروضها في المخيمات والشوارع بعد نزوحها من شمال غزة إلى جنوبها وسط القصف والدمار للترفيه عن الأطفال ومنحهم لحظات من السعادة.
وبدلًا من السعي إلى الإبهار، يركّز «ضايل عنا عرض» على معنى الصمود، فكل عرض يتحول إلى تأكيد صغير لكنه بالغ الدلالة على التمسك بالحياة، مذكّرًا بأن الفن قادر على الاستمرار حتى في أقسى الظروف، ويقدّم الفيلم رسالة إنسانية عميقة حول دور الإبداع بوصفه وسيلة للبقاء ومصدرًا للأمل في زمن الحرب.
الفيلم، الذي شارك في إخراجه المخرجة المصرية مي سعد، حظي بإشادة دولية واسعة، فقد فاز بجائزتي اختيار الجمهور وأفضل إنتاج في مهرجان روما الدولي للأفلام الوثائقية، حيث نافس ضمن المسابقة الرسمية لقسم World-Doc إلى جانب تسعة أفلام من مختلف أنحاء العالم.
كما شهد الوثائقي عرضه الدولي الأول في الدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ونال خلالها جائزة الجمهور (جائزة يوسف شريف رزق الله)، إضافة إلى تقاسمه جائزة أفضل إخراج ضمن جوائز الجيل الجديد، وذلك بالتعاون مع منصة The Film Verdict.
وإلى نص الحوار مع أحمد الدنف، الذي يمنح دوره كمخرج وشاهد عيان الفيلمَ صدقًا عاطفيًا لافتً،. فبصفته شخصًا عاش التجارب التي يوثقها، يضفي الدنف على العمل قربًا إنسانيًا نادرًا.
*قبل أن نخوض في تفاصيل الفيلم، حدثنا عن بداياتك كمصور صحفي وصحفي ميداني في غزة، كيف أسهم العمل في مناطق النزاع في تشكيل رؤيتك السينمائية؟
بدأتُ بالتصوير الفوتوغرافي، وكنت أركز على الوجوه والشخصيات. لاحقًا، اتجهت إلى توثيق تاريخ فلسطين، وتراثها، ومواقعها الأثرية، وجمال غزة، إضافة إلى الفنانين وأبطال الحياة اليومية فيها، أولئك الذين يحملون قصصًا إنسانية عميقة.
مع مرور الوقت، وجدت نفسي منخرطًا بشكل طبيعي في العمل الصحفي والتغطية الميدانية من قلب غزة. عملت في ظروف بالغة الصعوبة، وكنت دائمًا قريبًا من الناس ومن الحدث نفسه، لا أراقب من مسافة بعيدة. هذا علّمني أن أركز على التفاصيل الصغيرة، لا على الصورة الكبرى فقط أو الأخبار العاجلة.
ومع السنوات، أصبحت الكاميرا أكثر من مجرد أداة توثيق، أصبحت وسيلة لفهم الإنسان داخل الإطار، ومشاعره، وحكايته، العمل في مناطق النزاع علّمني أن أقدّر الصدق والبساطة أكثر من أي جمال بصري أو لقطة مُتقنة الصنع.
*فيلمك القصير «يوم دراسي» حصد جائزة يوسف شاهين. كيف ساعدتك هذه التجربة على دخول عالم الأفلام الوثائقية الطويلة للمرة الأولى؟
كان «يوم دراسي» محطة مهمة بالنسبة لي، الجائزة منحتني ثقة كبيرة، وجعلتني أشعر بأن القصص التي نعيشها يوميًا في غزة يمكن أن تصل إلى العالم.
هذه التجربة علمتني الصبر، وكيفية بناء السرد، وكيف يمكن رواية حكاية متكاملة من خلال تفاصيل صغيرة. كل ذلك ساعدني نفسيًا وفنيًا على الاستعداد لخوض تجربتي الأولى في الفيلم الوثائقي الطويل.
View this post on Instagram
*«سيرك غزة الحر» فكرة غير تقليدية في خضم الحرب، ما الذي جذبك تحديدًا إلى فناني السيرك، ولماذا شعرت أن قصتهم تستحق التوثيق؟
ما جذبني للفكرة منذ اللحظة الأولى التي تواصلت فيها معي مي، أنهم أشخاص عاديون اختاروا وسيلة غير تقليدية لمواجهة الواقع.
أهمية عروضهم وإصرارهم على الاستمرار، رغم أنهم يعيشون الظروف نفسها من دمار وخطر، وقدرتهم على التأثير في من حولهم، كانت الأسباب الرئيسية التي جعلتني متحمسًا لتوثيق قصتهم.
*الفيلم يطرح شكلًا مختلفًا من المقاومة، مقاومة عبر الضحك والألوان. هل كان ذلك مقصودًا منذ البداية أم أنه تبلور طبيعيًا أثناء التصوير؟
منذ البداية، كان لدينا شعور عام بأننا نريد أن نتحدث عن الحياة، لا عن الموت.
ومع كل يوم كنا نشاهد فيه التدريبات والعروض، كنا نشعر أن ما يفعلونه هو موقف بحد ذاته. الفيلم سمح لهذه الفكرة أن تتشكل بشكل طبيعي، من دون افتعال أو فرض.
*العروض تُقام وسط الدمار، ما اللحظة الأكثر تأثيرًا بالنسبة لك كمخرج خلال التصوير؟
أكثر اللحظات تأثيرًا بالنسبة لي كانت رؤية الأطفال يضحكون من قلوبهم أثناء أحد العروض، رغم كل ما يحيط بهم.
كانت لحظة بسيطة، لكنها شديدة القوة، شعرت حينها أن هذا الضحك أقوى من أي خطاب سياسي.
*التصوير في غزة خلال الإبادة ليس مجرد مهمة صعبة، بل يكاد يكون مستحيلًا. ما أصعب موقف واجهته خلال الإنتاج؟
الأصعب كان التوتر الدائم، أن تُصوّر وأنت لا تعرف ما الذي قد يحدث في الدقيقة التالية، كانت هناك لحظات اضطررنا فيها إلى تأجيل التصوير فجأة، وكان التحدي الأكبر هو الاستمرار في العمل من دون تعريض أي شخص للخطر.
*كيف تمكنتم من حماية سلامة طاقم العمل وأبطال الفيلم في ظل هذه الظروف القاسية وحالات النزوح؟
السلامة كانت دائمًا على رأس الأولويات، لم نصوّر في أي موقع إذا شعرنا بأنه غير آمن. كل قرار تصوير كان يمر بسؤال واحد: هل يستحق الأمر المخاطرة؟ وإذا كانت الإجابة لا، كنا نتراجع فورًا عن التصوير.
*على مستوى الإنتاج، كيف أُدير التنسيق بين فريق مصري وآخر فلسطيني لإنجاز فيلم بهذا الحجم في ظروف استثنائية كهذه؟
التنسيق كان قائمًا على قدر كبير من الثقة المتبادلة، كنت أنقل الواقع من الداخل، فيما كانت المخرجة مي والفريق في مصر يعملون على الرؤية العامة والتنظيم. ورغم الانقطاعات المتكررة للإنترنت، استمر التواصل قدر الإمكان، وكان كل طرف يُكمل دور الآخر.
*الفوز بجائزتي الجمهور وأفضل إنتاج في مهرجان روما يُعد محطة فارقة. كيف شعرت بعد هذا الإنجاز الكبير؟
كان شعورًا يصعب وصفه بالكلمات، اختيار الجمهور للفيلم مرة أخرى كان الأهم بالنسبة لي، إذ شعرت أن القصة وصلت فعلًا إلى الناس، وأنهم رأوا أنفسهم في شخصياتها.
هذه الجائزة ليست إنجازًا شخصيًا فحسب، بل هي تحية لكل أفراد فريق السيرك، ولكل إنسان في غزة لا يزال متمسكًا بالحياة رغم كل شيء.
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار