تستمع الآن

خاص| عالم المصريات الدكتور بسام الشماع يروي القصة الكاملة وراء إنشاء المتحف المصري الكبير

الجمعة - ٣١ أكتوبر ٢٠٢٥

مع اقتراب موعد الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر 2025، وصف عالم المصريات الدكتور بسام الشماع هذا الحدث بأنه «أعظم إنجاز ثقافي في تاريخ مصر الحديث».

وقال «الشماع» وهو مؤرخ دولي ومحاضر وعضو بارز في الجمعية الجغرافية والتاريخية المصرية، في حوار خاص مع موقع «نايل إف إم»، إن «المتحف يمثل ذروة جهود استمرت أكثر من ثلاثة عقود ويجسد إرث مصر وعزيمتها وقدرتها على تحقيق المستحيل».

وقال الدكتور الشماع: «بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير عن طريق الصدفة، ففي أوائل التسعينيات، سُئل وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني خلال زيارة لأوروبا عن متاحف مصر، فأجاب قائلًا: نحن نبني أكبر متحف في العالم».

وأضاف: «رد عليه الشخص الأوروبي قائلًا: إذا كان هذا صحيحًا، فسأساعدك في الحصول على الدعم اللازم. ومن هنا بدأ الحلم»، وأوضح أن هذه اللحظة البسيطة كانت الشرارة التي أطلقت أحد أضخم المشاريع الثقافية في تاريخ مصر.

وتابع الشماع موضحًا أن أعمال البناء بدأت في عام 2002، إيذانًا ببدء ما وصفه بـ«طريق التحديات»، مؤكدا: «واجه المشروع ثورات وأزمات مالية وجائحة عالمية، لكنه استمر، ما حدث هو ما أسميه صناعة المستحيل، فقد تحقق بجهدٍ وتضحيةٍ وإصرارٍ على عدم الاستسلام».

وأشار إلى أنه زار الموقع خلال مراحله الأولى: «كنت واقفًا بجانب أولى اللبنات الخرسانية، أرى بعيني الحجر الأول في تاريخ جديد يُوضع».

وأضاف أنه شارك في بعض مراحل العمل العلمي، قائلًا: «رغم أنني لست متخصصًا في الترميم، فقد شرفت بتقديم استشارات في اللغة الهيروغليفية لبعض النقوش داخل مركز الترميم بالمتحف».

رمز للابتكار والعبقرية المصرية

وتحدث الشماع عن تصميم مدخل المتحف، قائلًا: «عند المدخل يقف المسلة المعلقة الوحيدة في العالم، وهي للملك رمسيس الثاني، فكرة رفع المسلة في الهواء مصرية خالصة، من حيث التصميم والتنفيذ، وهي رمز للفكر والإبداع الوطني».

وأوضح أن العمارة الداخلية للمتحف تمثل «هرمًا داخل هرم»، في إشارة إلى المزج بين الرمزية القديمة والحداثة المعمارية، إذ ينتقل الزائر من ساحة مضيئة إلى قاعة ضخمة منقوشة بالهيروغليفية تجمع بين روح الماضي وتقنيات الحاضر.

توت عنخ آمون

وقال الدكتور الشماع إن من أبرز ملامح المتحف عرض جميع مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون، البالغ عددها 5000 قطعة، لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها عام 1922، مضيفا: «بعد أكثر من أربعين عامًا من دراسة علم المصريات، وكتابة أكثر من خمسين كتابًا، ما زلت أشعر بالرهبة.. فالكثير من هذه القطع لم تُعرض من قبل للعامة».

متحف يتنفس المعرفة

وأوضح الشماع أن المتحف لا يقتصر على العروض الأثرية فحسب، بل يمثل مركزًا للتعليم والبحث العلمي، متابعا: «كل ركن فيه يدعو إلى التساؤل والاكتشاف، من تمثال رمسيس الثاني العملاق الذي يزن 83 طنًا، إلى تمثال الملك زوسر غير المكتمل».

وأضاف أن القاعات الـ12 بالمتحف تضم مومياوات حيوانية ومجوهرات وأثاثًا وأعمالًا فنية، مدعومة بتقنيات تفاعلية متقدمة، قائلا: «في إحدى القاعات، تُعرض رحلة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت بتقنية الإسقاط ثلاثي الأبعاد، وفي أخرى تعيش تجربة تفاعلية داخل مقابر بني حسن وكأن الجدران تدب فيها الحياة، إنها تكنولوجيا تعيد التاريخ إلى الحياة».

إعادة تعريف الحضارة المصرية

وأشار الشماع إلى أن المتحف يعرض أقدم مجموعة من الأدوات الحجرية في القاهرة، عُثر عليها في منطقة العباسية، وتعود إلى نحو 700 ألف عام، «هذا يغيّر المفهوم التقليدي تمامًا، حضارتنا ليست عمرها 7 آلاف سنة، بل 700 ألف سنة».

نهضة ثقافية واقتصادية

وقال الشماع إن المتحف المصري الكبير، الذي يفوق اللوفر حجمًا بمرتين والمتحف البريطاني بخمس مرات، سيضم في نهاية المطاف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، منها 58 ألف جاهزة للعرض.

وأشار إلى أن المتحف تحيط به حدائق من البردي واللوتس، ويضم مطاعم ومتاجر ومتحفًا للأطفال، إضافة إلى تجهيزات مخصصة لذوي الهمم، «هذا ليس مجرد متحف، بل منظومة ثقافية ذكية وتفاعلية ومُلهمة».

ودعا الدكتور الشماع الزوار إلى تخصيص يوم كامل لاكتشاف المتحف، مؤكدًا: «بعد أربعة عقود من زيارة المتاحف حول العالم، أقول بكل ثقة إن هذا المتحف يحتاج إلى وقت، ويكافئ من يمنحه وقته».

وأكد الشماع أن أهمية المتحف تتجاوز حدود العرض الفني، قائلاً: «إنه لا يحافظ على التاريخ فحسب، بل يضيف إليه فصولًا جديدة ويصحح الروايات المحرّفة، لقد حاول البعض طويلاً تشويه قصة مصر، أما المتحف المصري الكبير فهو حارس الحقيقة».

رسالة فخر وأمل

واختتم الدكتور بسام الشماع حديثه قائلاً: «المصريون القدماء اخترعوا وابتكروا وأسهموا في حضارة الإنسانية على مدى 700 ألف عام، وهذا المتحف يروي الحقيقة كما هي، بفخر وصدق، أتمنى لكل زائر أن يعيش تجربة ملهمة ومضيئة، وأن يتعلّم من هذه الحضارة العظيمة التي لم تتوقف يومًا عن الإبداع، وستظل تُلهم العالم إلى الأبد».

*صورة من الحساب الشخصي للدكتور بسام الشماع على فيسبوك


الكلمات المتعلقة‎