الدكتورة جيهان زكي: الثقافة ليست إرثًا فقط بل أداة استراتيجية للقوة الناعمة الذكية
الدكتورة جيهان زكي: تلقي وسام جوقة الشرف من فرنسا تكريم في توقيت هام من مسيرتي
الدكتورة جيهان زكي: الدبلوماسية الثقافية تمثل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية والدولية لمصر
أكثر من 20 سنة قضتها الدكتورة جيهان زكي في خدمة الثقافة المصرية وتعزيز الدبلوماسية الثقافية المصرية حول العالم، منذ عملها التنسيقي بين المجلس الأعلى للآثار ومنظمة اليونسكو في 2004 مرورًا بإدارة صندوق آثار النوبة في 2010، ورئاسة أكاديمية الفنون بروما في 2012، وغيرها الكثير، فكان ذلك محل تقدير دولي سواء من اليونسكو أو دول أوروبية كإيطاليا وفرنسا.
ثم جاء التكريم المكلل لمسيرة سيدة الثقافة البارزة بحصولها على وسام «جوقة الشرف» الأعلى في فرنسا من الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو التكريم الذي وصفته بأنه «دفعة قوية ومصدر إلهام»، وذلك في حوار خاص لموقع «نجوم إف.إم» تحدثت فيها إلينا عن مسيرتها الزاخرة بالعمل الأكاديمي والثقافي وعن دور الدبلوماسية الثقافية ونصائحها للأجيال الشابة.. وإلى الحوار:
تربطك علاقة طويلة ومتميزة بفرنسا، بدءًا من دراستك في جامعة ليون، مرورًا بعملك مع اليونسكو، ثم جامعة السوربون، فضلًا عن تكريمك سابقًا من قِبل الرئيس ساركوزي. ماذا يعني لك، مهنيًا، نيل وسام جوقة الشرف؟
قبل أن أجيب، اسمحوا لي أن أوضح لجمهوركم الكريم طبيعة وأهمية هذا الوسام الرفيع.
وسام «جوقة الشرف» هو أعلى وسام تمنحه الجمهورية الفرنسية، ويُكرَّم به من قدّموا خدمات مدنية أو عسكرية استثنائية. وقد أُسِّس في الأصل على يد نابليون بونابرت عام 1801، ليصبح لاحقًا رمزًا لامتنان فرنسا العميق للتميز والخدمة الإنسانية.
أما بالنسبة لي، فالحصول على هذا الوسام هو تقدير عميق لمسيرتي الشخصية، ولأكثر من ثلاثة عقود كرّستها في مجالات الآثار، وإدارة التراث الثقافي، والدبلوماسية العامة، والبحث الأكاديمي.
وقد جاء في نص المرسوم الرئاسي الرسمي أن هذا التكريم يأتي تتويجًا لأكثر من ثلاثين عامًا من العطاء المهني.
لقد بدأت علاقتي بفرنسا بين عامي 1995 و2000 حين التحقت بجامعة ليون لنيل درجة الدكتوراه في علم المصريات، تخصص الحضارة المصرية القديمة. ثم في عام 2004، بدأت بتنسيق العلاقة بين الحكومة المصرية ممثلة بالمجلس الأعلى للآثار، ومنظمة اليونسكو، لتعزيز التعاون الدولي في صون التراث الثقافي.
وفي عام 2008، كان لي شرف مرافقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحرمه كارلا بروني في زيارتهما الثقافية لمصر، وهي لحظة مؤثرة تعكس عمق الروابط الثقافية بين البلدين.
وفي العام التالي، نلت وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي، وهو أيضًا وسام رفيع، لذلك، فإن نيل وسام جوقة الشرف ليس مجرد محطة شخصية، بل هو تتويج لحوار ثقافي ممتد بين مصر وفرنسا كنت فخورة بالمساهمة في تعزيزه.
وسام جوقة الشرف هو وسام تاريخي أسسه نابليون.. كيف كانت مشاعرك عندما علمت بنبأ اختيارك لنيله؟
كانت لحظة مدهشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى!
واحدة من تلك اللحظات النادرة التي تسيطر فيها العاطفة تمامًا. غمرني شعور قوي بالفخر والامتنان والتواضع. أن يتم تكريمي بمثل هذا الوسام التاريخي المرموق، جعلني أسترجع سنوات الدعم والإيمان الذي تلقيته من كل من ساندني في رحلتي.
وقد جاء هذا التكريم في توقيت هام من مسيرتي، ليكون بمثابة دفعة معنوية قوية ومصدر إلهام للاستمرار بطاقة متجددة ورسالة أعمق.
هو تذكير جميل بأن عملنا قد يتجاوز حدودنا، ويترك أثرًا أوسع مما نتخيل. لقد زاد هذا التكريم من التزامي، ودفعني لأن أواصل العطاء بإخلاص ووعي أكبر، سواء من خلال المناصب الرسمية أو عبر الأثر الثقافي الإنساني طويل المدى.
ستُقام مراسم التكريم في قصر جوقة الشرف الشهير بباريس. كيف تستعدين لهذه اللحظة الفارقة؟
لم يُحدَّد الموعد الرسمي بعد، ولكنه غالبًا سيكون في نهاية العام، مما يمنحني بعض الوقت للتأمل والاستعداد.
فالأمر لا يقتصر على تحضير كلمة، بل على إيجاد كلمات تعبّر بحق عمّا يعنيه هذا التكريم بالنسبة لي، وتُعطي حق كل من أسهم في رحلتي، وأستغل هذا الوقت أيضًا في الاستعداد النفسي والوجداني لتلك اللحظة المؤثرة، فأن أقف في مكان تاريخي كهذا، وأتلقى هذا الوسام، هو أمر أود أن أكون حاضرة فيه بكامل وجداني، لأكرّم الإرث الذي يُمثّله، والقيم التي يُجسدها.
كيف ترين دور “الدبلوماسية الثقافية” كركيزة أساسية من ركائز القوة الناعمة لمصر؟
بكل تأكيد، أؤمن أن الدبلوماسية الثقافية تمثل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية والدولية لمصر، وقد كانت هذه القناعة حجر الأساس في مسيرتي المهنية، خصوصًا خلال عملي لعشر سنوات في المجلس الأعلى للآثار، حيث كنت مسؤولة عن التواصل مع المنظمات الدولية، ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات الثقافية في مصر، والإشراف على جهود استرداد الآثار المهربة.
ثم جاءت تجربتي الثانية الأهم في هذا المجال، خلال عملي بروما من 2012 حتى 2019، وهي تجربة أكدت لي قوة الثقافة المصرية في مواجهة الأزمات السياسية، ورغم التحديات السياسية والاجتماعية المعقدة آنذاك، استطاعت الأكاديمية المصرية للفنون في روما أن تُرسّخ صوت مصر الثقافي، وتُعمّق الحوار، وتعزز الحضور المصري من خلال الثقافة.
وفي عام 2022، أصدرت دراسة باللغة العربية نُشرت عبر دار المعارف، تناولت فيها مفهوم الدبلوماسية الثقافية في الشرق الأوسط، وسلطت الضوء على تجربتي الممتدة في روما خلال فترة عصيبة سياسيًا على العالم العربي، كما تطرقت في الكتاب إلى ريادة مصر في التعاون الثقافي، لا سيما في الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة، التي أطلقتها مصر والسودان تحت مظلة اليونسكو، وكانت أول نداء عالمي لصون التراث.
مصر قادت المجتمع الدولي لحماية معابد أيقونية مثل أبو سمبل وفيلة، وهو ما شكّل مثالًا ملهمًا للتضامن الثقافي، ومع التقدم الذي أحرزته الدولة المصرية في هذا المجال، لا يزال هناك مجال أوسع للإنجاز. فالثقافة ليست إرثًا فقط، بل أداة استراتيجية للقوة الناعمة الذكية.
وماذا يعني لك شخصيًا أن يُقدَّم لك هذا الوسام من رئيس الجمهورية الفرنسية؟
هو شرف عظيم بحق، أن أتلقى وسام جوقة الشرف من دولة كفرنسا، التي طالما اعتُبرت منارة للعقلانية والثقافة والفنون والأدب، وكما قال طه حسين، هي “بلد النور والملائكة”، لذا فإن نيل هذا الوسام منها يحمل معاني عميقة.
أشعر بفخر وامتنان لهذا التقدير الذي يجسد قيَمًا أعتز بها، مثل احترام الكرامة الإنسانية وعمق الثقافة، وفرنسا ليست فقط بلدًا درست فيه، بل كانت محطّة شكلت الكثير من مسيرتي الفكرية والمهنية، مما يُضفي على الوسام أهمية شخصية كبيرة، ومن المنتظر أن تُقام مراسم التكريم الرسمية في خريف 2025، وقد سعدت بلقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الرسمية إلى مصر في أبريل الماضي، مما أضفى طابعًا خاصًا على هذا التكريم الاستثنائي.
ما النصيحة التي توجهينها للشباب الراغب في ترك أثر في مجالات الدبلوماسية وصون التراث؟
من الضروري أن نؤمن بأن لا ثقافة تتفوق على أخرى بطبيعتها. فكل حضارة تسهم بشكل فريد في نسيج الإنسانية، وجميعها تستحق التقدير والاحترام، حين نُدرك ذلك، نُمهّد الطريق لحوار حقيقي وتبادل حضاري بنّاء، فمن خلال الانفتاح على الآخر، يمكننا أن نتعلم، لا بالرغم من اختلافاتنا، بل من خلالها، فالتنوع ليس حاجزًا، بل جسرًا يصل بيننا، ويوسّع آفاقنا، ويُعمّق إنسانيتنا المشتركة.
وماذا بعد؟ ما القادم؟
الصيف… وبعض الوقت المستحق للاستجمام، وقراءة كتب جديدة، والاستمتاع بالموسيقى الجميلة.
إن كان عليك وصف رحلتك بكلمة واحدة، فماذا ستكون؟ ولماذا؟
في الحقيقة، ثلاث كلمات: الثقافة، التعليم، وكيف نجعل النساء سعيدات في مجتمعاتنا الشرقية.
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار
You must be logged in to post a comment.