«خائنة الأعين» أو «My Brother, My Brother» هي أسماء فيلم التحريك المصري الذي قد ترونه مشاركًا في جوائز مسابقة الأوسكار المقبلة بعد أن حصل على جائزة Golden Gate في مهرجان سان فرانسيسكو الذي تمهّد له الطريق للترشّح لـ«الأوسكار».
4 سنوات من العمل على الفيلم، ثم 3 أشهر من التوزيع كانت كفيلة بإحداث الصدى الكبير الذي حققه العمل بدءًا من عرض عالمي أول في مهرجان روتردام الدولي السينمائي، ثم حصوله على تنويه خاص من لجنة التحكيم في مهرجان كليرمو فيران الدولي للأفلام القصيرة، انتهاءً بجائزة Golden Gate في مهرجان سان فرانسيسكو، وكان لموقع «نايل إف.إم» حوار خاص مع 4 من صنّاع العمل، كشفوا فيه عن تفاصيل رحلة إنتاجه واستقبالهم للنجاحات التي حققها حتى الآن.
عبد الرحمن دنيور – كاتب ومخرج
– كمخرج، ما هي العناصر البصرية أو السردية الأساسية التي حرصت على أن تكون دقيقة لنقل التأثير العاطفي للقصة؟
أن يمتزج الشكل، الذي هو مزيج من الرسوم المتحركة التقليدية والمشاهد الحية، بسلاسة وتناغم.
– كيف تعاونت مع فريقي الرسوم المتحركة وتصميم الصوت لإحياء العالم الداخلي للتوأم؟
أخي سعد وضع الأساس للعمل الرسومي؛ فقد أجرى اختبارات جميلة في البداية تحوّلت إلى مشاهد رئيسية في الفيلم دون تعديل، وأصبحت النمط والخريطة البصرية للمشروع كله. بعد وفاته المفاجئة، توقّف العمل لسنة كاملة. ثم استأنفت العمل مع رسامين خارجيين، وطوّرت مهاراتي في التحريك مستندًا إلى عمله. كنت أحاول محاكاة أسلوبه، ولم يكن ذلك سهلًا، لأنه كان موهوبًا، وكل ما يقدّمه كان جميلًا ببساطة. في النهاية، اقتربت من مستواه، وقمت بتحريك جزء كبير من الفيلم بنفسي، بالتعاون مع رسامين مستقلين واستوديو نفّذ العديد من المشاهد. لاحقًا، توليت مراجعة مشاهد الاستوديو، وتعاونت مع صديقي أشرف الجابري لإعادة تحريك بعضها بنفس الأسلوب. نجح أشرف في التقاط شيء قريب مما بدأه سعد، وكان بحق من أهم من ساندوا المشروع بعد أن نفدت ميزانيتنا. كان من أفضل الأمور التي حدثت لهذا العمل.
تعاونّا أيضًا مع مصمم الصوت الألماني المقيم في برلين، رومان ستراك، الذي أبدع في توليد أصوات متخيلة كأصوات الرحم، ودمجها بسلاسة مع البيئة الصوتية للقاهرة.
– الفيلم يحكي قصة توأم متطابق من خلال سرد مزدوج – ما الذي ألهمك لاختيار هذا الهيكل العاطفي والمجرد؟
الذاكرة، كالرغبة، تدور حول شيء مفقود لا يمكن استعادته بصورته النقية. أردنا أن نلتقط هذه الطبيعة الزلقة والزائلة للذاكرة ونحوّلها إلى شكل سينمائي. الأماكن في الفيلم تظهر مجددًا في لحظات مختلفة، مع تغييرات طفيفة في الزاوية أو الترتيب. الهدف كان أن يُكوّن الجمهور ذاكرة بصرية، ثم تتحدّى هذه الذاكرة عند إعادة ظهور تلك المشاهد.
بدأت في كتابة هذا الفيلم مع سعد. نشأنا في منزل كانت المعتقدات الدينية والممارسات العلمية تتعايش فيه، فكنا دائمًا مرتبكين أمام التناقضات، ونبحث عن إجابات. كتوأم، عشنا العالم بطريقة مختلفة عن الآخرين. من اللحظة الأولى، شعرنا أن الحياة شيء نتشاركه. لم نتقاسم فقط موارد رحم أمّنا، بل تقاسمنا أيضًا وجهًا واحدًا، وأحيانًا، مسؤولية أفعال بعضنا البعض.أردنا بناء سرد مزدوج يتنقل ككرة تنس بيننا، يعكس جانبي الماضي، ويُبرز الطابع الذاتي للذاكرة.
عبد الله دنيور – منتج
– من منظورك كمنتج، ما التحديات الأكبر في تنفيذ فيلم بهذا المستوى الفني وبتلك الخصوصية الشخصية؟
التحدي الأكبر لي ولعبد الرحمن كان الوفاء لقصة سعد ومعاييره الفنية. كنا نسأل أنفسنا دومًا: هل نستطيع الوصول إلى المستوى الذي تصوّره وأنجزه سعد؟ كان من الصعب مواكبة رؤيته الفنية الفريدة، لكني أؤمن أن عبد الرحمن نجح في الحفاظ على المستوى، وسرد القصة بأجمل شكل، واستكمال ما بدأه سعد بحق.
تحدٍ كبير آخر كان طبيعة الوسيط نفسه؛ فأنا أتيت من خلفية الأفلام الحية، لذا دمج الرسوم المتحركة مع اللقطات الحقيقية لصنع هذا النمط البصري الفريد لم يكن سهلًا. كل تفصيلة في التصوير كان لا بد من التخطيط لها بعناية فائقة لأنها تؤثر على الجزء المتحرك مباشرة. كان الأمر معقدًا، لكن بالتخطيط المحكم أنجزناه.
– كيف أدرت التنسيق بين الفرق المختلفة، خصوصًا مع وجود متعاونين أساسيين بين برلين والقاهرة؟
في البداية، كنت قلقًا؛ فهذه القصة شخصية جدًا لي ولعبد الرحمن، وكنّا نعلم أن أي شخص لا يرتبط بها عاطفيًا لن يكون مناسبًا للعمل. لحسن الحظ، انضم إلينا هشام، المنتج الألماني، وتوأمه كريم، مدير التصوير. فهموا عمق القصة فورًا وآمنوا بها تمامًا، مما ساعد على خلق روح تناغم داخل الفريق.
مع انضمام المزيد من المتعاونين، تأقلموا بسهولة مع ثقافة العمل. كما قسمنا المسؤوليات بفاعلية بين المنتجين، ما أتاح لنا التعامل السريع مع التحديات واستمرار المشروع بسلاسة.
– ماذا كانت استراتيجيتكم لتقديم الفيلم للمهرجانات؟ وكيف تعامل الفريق مع النجاح الهائل؟
لدينا حتى الآن 15 اختيارًا دوليًا و4 جوائز، وكانت استراتيجيتنا مباشرة. ناقشنا الأمر مع شركة التوزيع التي آمنت بالفيلم بشدة. واقترحوا قائمة بالمهرجانات المناسبة، وقمنا بمراجعتها واختيار الأنسب منها، وكنّا واثقين في الإمكانيات الدولية للفيلم، لكن وتيرة الأخبار السارة فاجأتنا جميعًا—كل أسبوع كنا نسمع عن اختيار جديد أو جائزة جديدة. الرحلة كانت مذهلة حتى الآن، ونتطلّع بشغف لأول عرض للفيلم في مصر.
– ماذا يعني لك، كمنتج مصري، أن تكون خلف أول فيلم رسوم متحركة مصري مؤهل للأوسكار؟
للتوضيح: فيلمنا لم يصبح مؤهلًا للأوسكار بعد. صحيح أن مهرجان سان فرانسيسكو مؤهّل للأوسكار، لكن الفوز فيه لا يمنح التأهل التلقائي. هذه معلومة شائعة لكنها خاطئة.
ومع ذلك، فالحصول على جائزة مرموقة من مهرجان بهذا المستوى هو شرف كبير. كمنتج مصري، من الرائع رؤية فيلم رسوم متحركة مصري يحظى بهذا التقدير، خصوصًا أنه فيلم شخصي للغاية. إنه لحظة فخر كبيرة، ويمنحنا مزيدًا من الحافز للاستمرار في صناعة أفلام ذات معنى.
هشام مارولد – منتج مشارك
– كيف انضممت إلى هذا المشروع، وما الذي جذبك إلى القصة العاطفية لعمر ووسام؟
عبد الرحمن وسعد أصدقائي منذ فترة طويلة، وكنا نتحدث عن التعاون دائمًا. وعندما عرض علينا عبد الرحمن لالفيلم أنا وتوأمي كريم، مدير التصوير، شعرنا فورًا أنه مشروع استثنائي.
تضمّن الفيلم مواضيع عديدة لامستنا بعمق. كانت هناك أشياء كثيرة لم نتحدث عنها في شبابنا، لكنها ظهرت بوضوح في النص. أحببنا الفيلم بشدة، وأصبحنا نقضي ساعات في الحديث عنه.
– ما دورك في دعم الإنتاج والترويج الدولي للفيلم من برلين؟
أحببت العمل مع فريق الإنتاج، ووجدنا شراكة رائعة ساعدت على توفير الموارد التي احتاجها الفيلم ليصبح ما هو عليه. عملت على التمويل والتطوير، ودعمت الإنتاج في القاهرة، وساهمت في تصوير جزء من الفيلم في برلين، وتنظيم ما بعد الإنتاج والتوزيع. كنا دائمًا نتبادل الأفكار والحلول، وكانت العملية مثمرة جدًا.
– كيف ترى استقبال القصص العربية—خصوصًا في الرسوم المتحركة—من الجمهور الأوروبي والدولي؟
يشرفنا ويعني لنا الكثير عرض أعمالنا في سياقات دولية، خاصة في مهرجانات تضم أعمالًا عظيمة من مختلف أنحاء العالم.
تجربتنا مع الفيلم كانت مميزة؛ لقد وصل الفيلم لجمهور متنوع، وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية. أكثر ما لمسنا هو كيف أن أشخاصًا من خلفيات مختلفة تواصلوا معنا ليشاركوا كيف لامسهم الفيلم شخصيًا.
– ماذا يمثل هذا المشروع بالنسبة لك من حيث التعاون الثقافي وسرد القصص؟
هو فيلم شخصي جدًا، يدخل في عقل وروح صانعيه، سعد وعبد الرحمن. ما يميز الفيلم هو أن السرد متجذر فيهما بشدة.
إنه مثال رائع على كيف يمكن لقصة مصرية تمامًا، وفريق مصري بمعظمه، أن تحظى باهتمام ودعم دولي. لدينا منتجون فرنسيون (لوكاس توث وجيسيكا آرفوسو) كانوا أساسيين في إنجاز الفيلم. وتعاونّا مع شركاء من ألمانيا وإسبانيا واليونان، جميعهم أحبوا المشروع منذ البداية وقدموا جهودهم بسخاء.
مريم خضير – منتجة تنفيذية مشاركة
– ما الذي دفعك للانضمام إلى فريق الفيلم كمنتجة تنفيذية مشاركة؟
تعرفت على الأخوين دنوار قبل عشر سنوات، عندما شاركا في مشروع “48 ساعة فيلم”، الذي كنت أشارك في إنتاجه بالقاهرة. أُعجبت بشغفهم وموهبتهم الواضحة — وقد فاز عبد الرحمن بجائزة أفضل مخرج آنذاك. ظللت أقدّرهم كأشخاص وفنانين منذ ذلك الوقت.
عندما قرأت النص وشاهدت العرض التقديمي للفيلم، تأثّرت بعمق. كنت واثقة تمامًا أنني أريد أن أكون جزءًا من هذا العمل الجميل.
وعندما علمت أن هشام، المنتج المشارك، وكريم، مدير التصوير — توأمان أيضًا كالأخوين دنوار — شعرت وكأن الفيلم كان أمرًا قدريًا عاجلًا.
– كيف ساهمتِ في رحلة الفيلم من بداياته المحلية إلى شهرته الدولية؟
نظرًا لأن الفيلم يجمع بين التحريك ثنائي الأبعاد والمشاهد الحية، تطلب ميزانية ووقتًا كبيرين لفيلم قصير. هدفي كان دعم التمويل وبناء الشراكات المناسبة.
لحسن الحظ، قام المنتجون عبد الله وهشام وPunchline Cinema بدور محوري، ما سهّل دوري. ومنذ اكتمال الفيلم، انطلقنا جميعًا في هذه الرحلة مع أسرنا، من العرض العالمي الأول في روتردام إلى الاحتفاء بالتنويه الخاص في كليرمون-فيران. كانت تجربة مثمرة ومليئة بالحماس.
– رغم حساسية الفيلم العاطفية، إلا أن أثره قوي—كيف أثر ذلك على استراتيجية تقديمه للمهرجانات؟
أعتقد بصدق أن الفيلم فرض نفسه. لا أقلل من دور أحد، لكن عندما تُروى القصة بهذا الصدق والعاطفة، تصل للناس. سعد وعبد الرحمن جسّدا ذلك بجمال.
موزعنا “Miyu Distribution” قام بعمل ممتاز في توجيه الفيلم نحو المهرجانات المناسبة، وما زلنا نتلقى ردود فعل جميلة ومؤثرة.
– ماذا كان شعورك عند تأهل الفيلم للأوسكار؟ وكيف تساهمين في المرحلة القادمة؟
مرة أخرى، للتوضيح: الفيلم لم يتأهل بعد للأوسكار. لكن فوزه بجائزة Golden Gate في مهرجان سان فرانسيسكو هو شرف عظيم.
SFFILM مهرجان عالمي مرموق، وهذا التقدير له أهمية كبيرة بالنسبة لنا. نحن فخورون ومتحمسون جدًا لرؤية إلى أين ستقودنا هذه الرحلة.
– برأيك، ماذا يقول هذا الفيلم عن مستقبل الرسوم المتحركة في العالم العربي؟ وأين تتمنين أن يصل؟
أنا شغوفة بالرسوم المتحركة، ومن أكثر ما يسعدني هو أن يُحتفى بهذا الفيلم كفيلم رسوم متحركة مصري. هذا نادر في صناعتنا.
آمل أن يكون حافزًا لمزيد من المشاريع في العالم العربي. أؤمن بقوة الرسوم المتحركة في نقل القصص المؤثرة، وأتمنى أن نرى مزيدًا من الأعمال الجريئة والجميلة من صانعي الأنميشن العرب.
ونحن الآن فخورون جدًا بأن نشارك الفيلم في يونيو في مهرجان Annecy، أهم مهرجان رسوم متحركة في العالم. إنها رحلة عظيمة نحتفل بكل خطوة فيها.
* الصورة الرئيسية مهداة من صنّاع العمل
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار