تحل اليوم 11 ديسمبر الذكرى 113 لميلاد أديب نوبل نجيب محفوظ الذي لم يحب قط الاحتفال بعيد ميلاده بينما كانت متعته في القراءة والكتابة وجلسة الأصدقاء على المقهى.
وفيما يمثّل المقهى جزءًا أساسيًا في حياة وروتين «النجيب» وكذلك في أحداث رواياته، نرصد عن قرب حكايات الروائي الكبير عن مقاهي القاهرة كما قالها للكاتب رجاء النقاش في كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ».
يصف نجيب محفوظ المقاهي في حياته ويقول: «لعبت المقاهي دورًا كبيرًا في حياتي، وكانت بالنسبة لي مخزنا بشريا ضخما للأفكار والشخصيات».
يقول عن مقهى «قُشتمر»: «من أوائل المقاهي التي جلست عليها فترة طويلة من حياتي قهوة قشتمر، وكنت وقتذاك من سكان العباسية، ولى فيها شلة ضخمة، جمع بين أفرادها، حب كرة القدم وحياتنا في نفس الحي كجيران، ولم يكن لأعضاء هذه الشلة أي علاقة بالأدب. كانت قهوة قشتمر تبتعد عن قهوة عرابي الشهيرة بمسافة محطة ترام واحدة، ويوجد موقعها على ناصية شارع يؤدى إلى حي الظاهر، واسم هذا الشارع هو قشتمر، فسمي المقهى باسمه.. وحسب معلوماتي فإن قشتمر هذا اسم وزير مملوكي.. ولم نكن وقتئذ نجرؤ على الجلوس في قهوة عرابي لأن أساتذتنا وآباءنا والجيل الأكبر منا كانوا يجلسون عليها. ولما ذهب ذلك الجيل السابق علينا، وتقدم بنا العمر، أصبحنا – نحن شلة العباسية – من رواد قهوة عرابي».
ويحكي «النجيب» أن: «ندوة الأوبرا ترجع بداياتها إلى سنة ١٩٤٣، وكانت عبارة عن جلسة عادية، ثم أخذت تتسع، حتى تحولت إلى ندوة» يؤمها الأدباء والمثقفون، وتطرح فيها الكتب والأعمال الفنية للمناقشة استمرت الندوة منتظمة لعدة سنوات لم يعكر صفوها شيء، حتى جاء يوم تقرر فيه أن يمر موكب الرئيس عبد الناصر مصطحبا ضيفًا أجنبيا من ميدان الأوبرا، في طريقه إلى الجامع الأزهر، واقتضت إجراءات الأمن تأمين طريق الموكب. ولاحظ المخبرون أن هناك عددًا كبيرًا من الأفندية يفدون إلى الكازينو، وفوجئنا بضابط برتبة كبيرة، يتجه إلينا مستفسرا عن أسباب وجودنا معا وبكل هذا العدد أخبرنا الضابط أنها ندوة أسبوعية اعتدنا على إقامتها منذ عام ١٩٤٣، ولم يسترح الضابط لهذا التبرير، وزرع مجموعة من المخبرين على منافذ الكازينو المطلة على الشارع. وأثناء مرور الموكب وقفنا جميعا في النوافذ لتحية الرئيس عبد الناصر ورددنا هتافات مؤيدة له. وبعد مرور الموكب بسلام جاءنا الضابط مرة أخرى ليبلغنا بأن أي تجمع يزيد على خمسة أشخاص لابد أن يحصل على تصريح من قسم البوليس التابع له مكان الاجتماع. ونبهنا إلى ضرورة الحصول على إذن كل أسبوع إذا أردنا أن تكون ندوتنا قانونية. وبالفعل قبل موعد الندوة كان يذهب أحد روادها إلى قسم عابدين للحصول على التصريح، وأصر مأمور القسم حتى يأذن لنا، بأن نسمح لأحد المخبرين بحضور الندوة، ليقوم بكتابة تقرير عما دار فيها من أحاديث ومناقشات المضحك في الأمر أن المخبر كان يجلس مثل الكرسي لا يفهم شيئًا، فكيف يصل تفكير مخبر سري محدود الثقافة والإدراك إلى فهم أحاديث حول «كافكا» و«سارتر» و«كامي» وأشباههم من كبار الكتاب العالميين. وفي إحدى المرات فوجئت بالمخبر السري في نهاية الندوة يتعلق بثيابي ويرجوني متوسلاً، أن أساعده في كتابة التقرير الذي سيرفعه للمأمور، لأنه لم يفهم كلمة واحدة مما قلناه ويخشى أن يتعرض للعقاب، إن هو عاد إلى القسم خالي الوفاض، ولم ينجز ما عهد إليه. وبالفعل كنت ألخص له الندوة، وتدريجيا كدت أتحول إلى مخبر سرى. وذات مرة أرسلنا عبد الله الطوخي إلى قسم عابدين للحصول على التصريح المعتاد، ويبدو أن اسم الطوخي كان مدرجا على القائمة السوداء بوصفه شيوعيًا، فلم يمنحوه التصريح المطلوب، وبدأنا نتعرض لمضايقات».
وتحدث نجيب محفوظ عن التحول إلى مقهى ريش الشهير بوسط البلد وقال: «كان من رواد الندوة محام معروف وقتذاك اسمه هارفي أسعد نصحني بنقل الندوة إلى مكان آخر، واقترح مكانا يعرفه ويثق في أنه سيعجبني، واصطحبني إلى مقهى ريش. أعجبني المقهى ونقلنا إليه الندوة، ولكن واجهتنا بعد فترة مشكلة من نوع جديد، وهي أن المقهى يرتاده عدد كبير من الأدباء والمثقفين في مصر، فكانوا يختلطون بأعضاء ندوتنا الأصليين، وأصبح من الصعب إقامة الندوة، وكان لابد من البحث عن مكان جديد. وبعد البحث والتقصي استقرت الندوة في كازينو قصر النيل، حيث استمر عقد الندوة لفترة طويلة».
كما حكى عن أغرب المقاهي التي شاهدها في حياته وهو مقهى أحمد عبد الله في خان الخليلي، يقول: «وجه الغرابة أنها كانت تحت الأرض، كنا نجلس فيها ونرى من نوافذها الناس وهم يمشون فوقنا. وكانت تأخذ الشكل الدائري، وفى وسطها فسقية، ومحيط الدائرة عبارة عن حجرات صغيرة، كل حجرة بها منضدة وعدد من الكراسي. وكانت قهوة أحمد عبد الله شهيرة بأنها تقدم أحسن شاي في مصر، ومن إعجابي بها ذكرتها بالاسم في الثلاثية. وقد حضرت تأسيس هذه القهوة وكنت وقتذاك في مرحلة الطفولة، وذهبت لأشاهد العمال وهم يضعون الأساس لها، وأخذتني سنة من النوم وأنا أجلس في مدخلها، واستيقظت مع دخول الليل، بعد أن نبهني أحد العمال».
*صورة مرخصة للمشاع الإبداعي – المصدر: الأهرام
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار