تستمع الآن

اتصال الجائزة وسهرة الحرافيش.. تفاصيل يوم الإعلان عن «نوبل» نجيب محفوظ في ذكراها الـ36

الأحد - ١٣ أكتوبر ٢٠٢٤

تمر اليوم الذكرى الـ36 لحصول الأديب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب عام 1988.

وفي تلك الذكرى نسترجع سويًا تفاصيل وكواليس تلك اللحظات التي عاشها الأديب المصري العالمي قبل الإعلان عن الجائزة وما بعدها، كما رواها هو بنفسه في كتاب رجاء النقاش بعنوان «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ».

نوبل.. لم تكن من بين أحلامي

يقول الأديب نجيب محفوظ في الكتاب: «لم يكن من بين أحلامي الحصول على جائزة نوبل في الأدب، ولم أتطلع إليها في يوم من الأيام، وكنت أعجب من الكتاب العرب المهتمين بها. ربما يعود ذلك إلى أسباب كثيرة منها: أننا جيل نشأ على «عقدة الخواجة»، وهي العقدة التي أحدثت في نفوسنا نوعا من عدم الثقة بإمكانياتنا، خاصة أن ذلك العصر كان مليئا بالعمالقة من الكتاب العالميين، الذين كانوا يمثلون بالنسبة لى رموزا وأساتذة، مثل برنارد شو و توماس مان وأناتول فرانس وجان بول سارتر، وألبير كامي، كما كان لدينا كتاب عمالقة من أمثال عباس محمود العقاد الذي كنت أرى أنه يستحق الجائزة عن جدارة، وربما فاق في موهبته عددا من الأدباء الذين حصلوا عليها. لم أضع جائزة نوبل في ذهنى أبدا، وأحمد الله على ذلك، فلو كنت أعطيتها اهتماما مبالغا فيه، لكان حدث لى حرق دم من متابعتها سنويا، أو من انتظار وصولها إلى وحتى يوم إعلان الجائزة، الخميس ١٣ أكتوبر ۱۹۸۸ ، لم يكن عندى أي توقع للفوز بها».

اتصال الجائزة

وعن تفاصيل يوم الإعلان عن الجائزة، يحكي «أديب نوبل» كيف كان يومه اعتياديًا منذ بدايته، يحكي: «ذهبت إلى جريدة الأهرام كعادتي، وجلست مع الأصدقاء والزملاء، وتحدثنا في موضوعات شتی، كان من بينها جائزة نوبل المنتظر إعلانها في ذلك اليوم، وقلت لهم إننا سوف نقرأ في الصفحة الأولى من «الأهرام» يوم غد الجمعة خبرا صغيرا عنها كالمعتاد، ونعرف من فاز بها. وعدت إلى البيت، وكانت زوجتى بمفردها ترتدى زى المطبخ وتكاد تنتهى من إعداد الغداء، أما ابنتاى فهما في عملهما. تناولت الغداء ودخلت عرفة النوم لأستريح، ولم تمض دقائق معدودة إلا ووجدت زوجتى توقظني من النوم في لهفة: «قوم …قوم.. «الأهرام» اتصلوا بك وبيقولوا إنك أخذت جائزة نوبل !.

فاستيقظت وأنا في غاية الغضب، معتبرا كلام زوجتى مجرد هلوسة خاصة بها، لأنها منذ عدة سنوات سابقة، وهي دائمة الحديث عن جائزة نوبل وأحقيتي في الفوز بها. وكنت أقول لها إنني أرجوها أن تعقل وتفهم أن جائزة نوبل ليست سهلة المنال، كما أنني لا أفكر فيها، وأرجوها ألا تأتي بسيرتها أمامي، أو تفكر هي فيها. كنت أقول لها إن حياتنا ممتازة ومستورة ولا أريدك أن تتصوري أنه سيحدث لنا مثلما يحدث في كتاب ألف ليلة وليلة من مفاجآت خيالية. وفيما أتكلم مع زوجتى دق جرس التليفون، وكان المتحدث الأستاذ محمد باشا الصحفى بالأهرام، وبادرني بالتهنئة: مبروك يا أستاذ!. فرددت عليه: «خير إن شاء الله». قال لي إنني فزت بجائزة نوبل، فلم أصدقه، فأعطى سماعة التليفون إلى الأستاذ سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الأهرام الذي حدثني بصوت تملؤه الفرحة: مبروك يا أستاذ.. شرفتنا». وجاءتنا نتائج جائزة نوبل وأنت فزت بجائزة الأدب».

كنت أظنها دعابة

يؤكد الأديب الكبير فيما رواه في الكتاب: «حتى تلك اللحظة كنت أظن أنها مجرد دعابة من الأستاذ محمد باشا، وأنه ربما أراد أن يدبر لي مزاحا باردا، واستعان بأى شخص بجانبه يمكنه تقليد صوت الأستاذ سلامة أحمد سلامة. ولكن لم تمض سوى دقائق معدودة، كنت أجلس خلالها في فراشي محتارا وغير مصدق، حتى دق جرس باب الشقة. وفتحت زوجتى الباب وهي بعد بملابس المطبخ ودخل رجل طويل ومعه مجموعة من المرافقين، فنهضت من فراشي، إلى الصالة مرتديًا ملابس النوم البيجامة»، ونظرت إلى الرجل الذي حسبته في البداية صحفيا، وفوجئت بأحد مرافقيه يقدمه لى : سعادة سفير السويد وحرمه. هنأني السفير بالجائزة وقدم لى هدية رمزية عبارة عن قدح من البنور أشبه بصناعات خان الخليلي، واستأذنت منه ودخلت غرفتي وارتديت بدلة، لأننى تأكدت أن المسألة جد. وبمجرد انصراف سفير السويد بالقاهرة تحولت شقتى الصغيرة إلى شيء أشبه بالسوق. صحفيون ومصورون ومهنئون وفرحة غامرة في المكان، وأحاديث صحفية سريعة، والتليفون لا يتوقف عن الرنين، وأحيانًا أرد بنفسي، وأحيانًا يتولى صديق أو أحد الصحفيين الموجودين معى في البيت الرد، وابل من الأسئلة، وكنت أجيب بما أستطيع الإجابة به في مثل هذا الحدث الطارئ الذي لم أحسب له حسابًا من قبل. وكانت زوجتي في غاية الحيرة وهي وحدها في المنزل، تحاول القيام بواجب الضيافة قدر استطاعتها».

سهرة الحرافيش

ورغم الموقف والجائزة الكبيرة لم ينس نجيب محفوظ لقائه المعتاد بـ«الحرافيش»، فيقول: «رجعت مرة أخرى إلى مكتبي في «الأهرام» حيث التقطت لى مئات الصور الفوتوغرافية مع الزملاء والمهنئين. ووسط كل هذه الضوضاء تذكرت سهرة الحرافيش، فموعدها اليوم الخميس كالمعتاد. فقررت العودة إلى منزلى، حيث نسيت علبة سجائري، فأحصل عليها وأنطلق بعدها إلى «الحرافيش». ففوجئت بمظاهرة أمام البيت، عدد كبير من الصحفيين ورجال الإعلام وكاميرات التليفزيون، فخشيت إن دخلت ألا أتمكن من الخروج مرة أخرى. وقلت للسائق: خذني إلى كازينو قصر النيل، وهو على بعد ثلاثة كيلو مترات من المنزل، وهناك وجدت مظاهرة أخرى لم أنج منها إلا بعد عناء حقيقي، وذهبت إلى بيت توفيق صالح حيث جلسة الحرافيش وأمضينا الليل عنده، ثم نزلت مع الصديق عادل كامل وركبت سيارته، وأخذنا جولة في شوارع القاهرة، حتى أوصلني إلى بيتي في حدود الواحدة والنصف صباحا. اقتربت من باب الشقة ولاحظت أن كل أنوارها مضاءة، فدخلت لأجد زوجتي وابنتى في وسط الصالة، ومعهن حوالى ستة من الأجانب. أخبرتني زوجتي أنهم صحفيون أجانب ومرتبطون بالسفر في الصباح، ولابد أن يجروا معى أحاديث صحفية، وسلمت أمرى لله غسلت وجهى من عناء يوم طويل وجلست معهم وأجبت عن كل الأسئلة التي طرحوها. لم تعرف جفوني النوم في تلك الليلة، وظللت مستيقظا حتى مطلع النهار».

*صورة مرخصة للمشاع الإبداعي


الكلمات المتعلقة‎