تحدثت مريم أمين في حلقة اليوم الجمعة من برنامج “مع خالص حبي” على “نجوم إف إم”، عن السيدة روز اليوسف وجريدتها التي كانت تعد من أهم المجلات في الوطن العربي.
وأشارت مريم أمين إلى أن روز اليوسف كانت ترغب في أن يكون نجلها إحسان عبد القدوس الذي كان يعمل مراسلا بالمجلة أن يتحمل المسؤولية ويكمل مشوارها الصحفي، موضحة أن الكاتب الكبير كان مشتتًا ولم يكن قد حدد مصيره سواء في كتابة الروايات أو الصحافة أو الدخول لمجال السياسة.
ونوهت مريم أمين بأنه سافر إلى سويسرا من أجل الحصول على جرعة من التركيز واتخاذ قراره، حيث كتب جوابًا إلى والدته روز اليوسف.
أكتب إليك وأنا جالس في شرفة الفندق.. وبحيرة «لوجانو» تحت قدمي، وجبل على يميني وجبل آخر على يساري، وبين أحضاني أشجار رائعة طرز الخريف أوراقها باللون الأحمر والأصفر والأخضر، ولكني في هذه اللحظة لا أرى البحيرة ولا الجبال، ولا الأشجار، ولا الخريف.
أراك أنت وحدكِ، أراكِ في قلبي؛ وأراك في عيني.. أراك جميلة وعظيمة.. أجمل وأعظم من كل ما في أوروبا..
إن الله لم يخلق شيئاً أجمل من أمي، ولا أعظم من أمي..
وكنت أراك جميلة طول عمري.. وما زلت حتى اليوم أراك بضفائر طويلة في لون الذهب، وبشرتك في لون اللبن المخلوط بعصير الورد، وعينيك في لون الربيع تنبضان بالحياة والحنان.. وشفتيك فيهما رحمة وكبرياء.. ورأسك مرفوعاً دائماً.. رأساً أقوى من الشر.. رأس ملاك.. كنت دائماً أراك ملاكاً.
ولكني لم أكن مقتنعاً بعظمتك كما أنا مقتنع الآن.. كنت في صباي لا أستطيع أن أقدر لماذا أنت عظيمة؟.. ماذا فعلت حتى تكوني عظيمة.. إنك مشهورة.. وإنك ناجحة.. نجحت في المسرح، ونجحت في الصحافة، ولكن ليس كل المشهورين عظماء.. وليس كل الناجحين عظماء.. فلماذا أنت عظيمة.. ما سر عظمتك؟!
هكذا كنت أتساءل في صباي.. ثم كبرت.. وتوليت العمل.. ودخلت معركة الحياة.. فبدأت عظمتك تتكشف لي.. وعن طريق تجاربي في محيط البشر والعمل وبقدر ما عانيت وتعبت حتى أكون إنساناً ناجحاً.. أستطيع أن أقدر عظمتك وأصل إلى سرها.. وأن الإنسان العظيم هو الذي يستطيع أن ينجح وأن يصل إلى القمة محتفظاً بكبريائه ومبادئه وبساطته.. وهذا هو أنت يا أعظم الناس.. لقد نجحت من دون أن تؤذي أحداً.. ومن دون أن تفقدي طبيعتك السمحة البسيطة.
ما زلت تضحكين كطفلة، وما زلت تتحدثين كصبية لم تنزل بعد إلى زحام الحياة، وما زلت تعاملين الناس في تواضع وسذاجة، كأنك لست صاحبة أعنف معارك سياسية خاضتها الصحافة المصرية.. وما زالت ترضيك الأشياء الصغيرة التي تحمل معاني إنسانية كبيرة.. وردة أو كلمة حلوة وتترفعين عن الأشياء المادية مهما كبرت ما دامت لا تحمل معنى كريماً.
كلما كبرت ازددت اقتناعاً بأني لا أستطيع الاستغناء عنك أبداً في العمل، وأنك لو تركتني وحدي فلن أستطيع أن أفعل شيئاً وهذا الإحساس يجعلني أخاف.. أخاف المستقبل، مستقبلي، فلا تتركيني أبداً.. أرجوك لا تتركيني أبداً.. إنني أعيش وأعمل بأنفاسك وبوجودك..
ماذا أهديك؟
هل تقبلين أن تكون هديتي حديثاً عن نفسي؟!
سأحدثك عن نفسي إذن.. سأحدثك عن ابنك.. لأنني لم أحاول قبل اليوم أن أحدثك عن شيء إلا وقطع حديثنا جرس التليفون أو دخول زوارك لمكتبك.
إنك تعتقدين أنني ورثت طباعي وأخلاقي عن والدي.. وهذا ليس صحيحاً للأسف.. فإن أهم ما يميزه هو قناعته ورضاه عن نفسه.. وأنا لست قنوعاً ولا راضياً عن نفسي ولو كنت.. لكنت سعيداً وما تعذبت.
أنا شيء آخر.. إنني لا أعرف ماذا أريد.. هل أريد أن أكون سياسياً أم أديباً.. هل أريد أن أكون صاحب عمل أم مجرد كاتب، هل أريد أن أخوض معارك أم أنجو من المعارك وابتعد عنها. هل أريد أن أكون مليونيراً، أم أريد أن أكون إنساناً بسيطاً لا يحمل هم الملايين، ولأنني لا أعرف ما أريد فأنا غير راض عن تصرفاتي التي تتخبط وتتعارض.. ويبدو أثرها في حياتي وعملي وفي معاملة الناس.. والنتيجة أنني لست سعيداً فالسعادة في أن أكون ما أريد.
إنني إنسان خجول وهذا الخجل مرده أني أخاف الفشل إلى حد كبير.. إلى حد الجبن، وهذه الطبيعة تبدو في حياتي العامة كلها وفي عملي.. إن في رأسي مشروعات كثيرة كبيرة، ولكني لا أقدم على تنفيذها خوفاً من الفشل.
ولكن هناك شيئاً واحداً يحميني من هذا الضعف وهو أني أعرف تماماً ماذا تريدين أنت.. ولأني أحب أمي فإنني أفعل ما تريده.. إنها تريد دار روز اليوسف داراً صحافية قوية.. وهذا ما سأفعله وما أقسم عليه.. بل هذا هو الخط الوحيد الثابت المستقيم الذي يحدد حياتي وأهدافي.
محتاج إلى أن أقبلك كثيراً.. كثيرًا جدًا.. محتاج إلى أن أضع رأسي على صدرك وأنام.. مع خالص حبي ابنك إحسان عبد القدوس.
وأشارت مريم أمين إلى أن “عبد القدوس” قرر اختيار الصحافة حيث قرر العمل في أماكن خارجية لاكتساب الخبرات وعندما أثبت نفسه عاد بعد 5 سنوات ووافق أن يكون رئيس التحرير خلفًا لوالدته.
وقرأت مريم أمين جوابا وضعته روز اليوسف إلى نجلها على المكتب، حيث قالت فيه:
ولدي رئيس التحرير.. عندما عملت بالصحافة وأسست هذه المجلة كان عمرك 5 سنوات.. قد لا تذكر أني حملت العدد الأول ووضعته بين يديك الصغيرتين.. وقلت لك.. هذا لك.
مر عشرون عاما قضيتها وأنا أراقب في صبر وجلد نمو أصابعك حتى تستطيع أن تحمل القلم.. ونمو تفكيرك حتى تستطيع أن تقدر هذه الهدية التي كونتها بدمي وأعصابي خلال سنين طويلة لتكون اليوم لي.
والآن وقبل أن أضعك أمامي لأواجه بك الناس دعني أهمس في أذنك بوصية أم لابنها ووصية جيل إلى جيل مهما كبرت ونالك من شهرة لا تدع الغرور يداهم نفسك.. فالغرور قاتل وكلما إزددت علما وشهرة فتأكد أنك مازلت في حاجة إلى علم وشهرة.
حافظ عى صحتك فبغير الصحة لن تكون شيئًا.. مهما تقدم بك السن فلا تدع الشيخوخة تضغى على تفكيرك بل كن دائما شاب الذهن والقلب.. وتعلق حتى آخر أيامك بحماسة الشباب.. حارب الظلم أينما كان وكن مع الضعيف على القوي ولا تسأل عن الثمن.. كن قنوعًا ففي القناعة راحة الجسد والغيرة.
ثق أني دائما معك بقلبي وتفكيري وأعصابي.. فألجأ إلىّ دائما.. وأخيرا.. دع أمك تستريح قليلا.
«مع خالص حبي» قراءة في خطاب يوميًا من الساعة 5.05 حتى 5.10 عصرا.
– مصدر الصورة الرئيسية – السينما
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار