كشفت مريم أمين عبر برنامج “مع خالص حبي” على “نجوم إف إم”، اليوم الخميس، عن رسالة كتبها الكاتب الصحفي صلاح عيسى إلى والدته الراحلة.
وأشارت إلى أن الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسى كتب الرسالة تحت عنوان “وردة على قبر أم”، حيث نشرها في عدد من الصحف.
– قاومت طويلا رغبتي في أن أكتب عن أمي.. وكم من مرة قضيت ليلة بطولها أمام أوراقي أكتب وأمزق ثم أعيد كتابة ما مزقته.. لاكتشف أنني لا أستطيع أن اكتب عنها.
إنني أعجز من أن أكتب عن سواها فينجلي الصباح عن ليلة ساهرة بلا حصاد.
كانت قد توارت في الظل منذ أن غادرت طفولتي وفررت من تحت جناحيها استقبل صباي وشبابي في العالم القبيح الذي لا تحدوه حدود.. مع أننا لم نعد نتكلم اللغة نفسها أو نهتم لأشياء ذاتها.. فقد ظللت أنا وأخوتي عالمها الذي لا عالم لها سواه.. نلف حتى تدمى منا الأقدام والقلوب ونعود فإذ بها ثابتة في المكان والزمان كالنخلة الطويلة في باحة ظهرنا.
بمجرد أن أسند رأسي المثقل بما يعاني على صدرها أغسل الهم والحزن.. على صدرها أعود طفلا يجري ويمرح ويطارد النحل ويصطاد الفراشات.. وإذا ما إصفرت الشمس أعود لها بعد رحلة النهار المرهقة تشوي عيدان الذرة وحبات البطاطا.. وأسمع صوتها وهي تحكي حكايتها فأشعر أني آمن بلا خوف ويضحك القمر وتلعب النجوم وتبتسم الغمازتنان على وجههم.
حين عادت أمي إلى القاهرة وقد تعدت الخمسين.. كنت أقول لها دائما هفضالك وأخدك أزورك أهل البيت زي ما إنتي عايزة ونقرأ الفاتحة للحسين وكمان نزور سيدتنا سكينة والإمام الشافعي وبعدين نروح السينما وتضحك.
كنت واثقا أن هموما كثيرة تقضي مضجعها.. لم تضعف أمي يوما كانت صوانة الصبر والسر بل أنها لم تعاتبني يوما أنني لم أقابل الحب بالحب.. فقد كانت عفيفة لا تطلب تستحي.. لا تحرج ولا تجرح.. وكانت شامخة الكبرياء.
لقد ظلت منذ أن تعلمت المشي حتى ماتت تقف على قدميها تبحث دائما عن شيئًا تفعله لنا ترفض أن تستريح أو حتى تمرض وحين تجاوزت الستين قاومت وبشدة محاولتي لمنعها من تكرار نزول سلم العمارة خوفا على صحتها.
أمي التي لم تدخل مدرسة ولم تقرأ كتابًا.. هي من علمتني القراءة بشراء الكتب من سوق القرية، حينما قلت لها إن اسمي ينشر في الصحف احتفظت بأول جريدة لمجرد أن اسمي بها.
هذا نوع غريب من العظمة لا يدرك مداها أي أحد لأن الناس تفهم العظمة باعتبارها خوارق الأعمال أو الصفات ولا يتوقفون أمام أنماط عاشوها تحت سقف واحد فشاهدوا بطولاتهم في تضحياتها وعطائها حتى أصبح ذلك عادة لا تستحق الوقوف عندها أو الإشادة بها.
لم أدرك هذا كله إلا حين ماتت أمي فجأة. قبل أن أعتني بها وأطوف بها مزارات الأولياء كما وعدتها.. هاجم المرض المرأة التي لم تعرف في حياتها إلا الحب.
كان وجهها ساكنا هادئا.. قبلت جبينها وحملت جسدها المريض إلى المستشفى وفي غرفة الموتى رفعت جثتها إلى المنضدة وأنا أغادر الغرفة وعلى يدي آخر لمسة من الجسد الذي احتضنني 40 عاما.
أصبحت يتيمًا في الأربعين وفهمت لحظتها مغذى دعائها أن يجعل الله يومها قبل يومي..
كانت سبيل العطشان وراحة التائه ورمزا ثابتا بأن الحب باق والعطاء باق والتضحية من أجل الآخرين ممكنة.
ساداتي هل تؤذنون لي أن اضع باقة ورد على قبر أم.
كما أشارت مريم أمين إلى أن الإعلامية نجوى إبراهيم أرسلت للكاتب الصحفي صلاح عيسى رسالة بعد أن قرأت رسالته التي كتبها إلى والدته الراحلة، حيث قالت:
السيد صلاح عيسى لم أستطع أن أصادر دموعي وهي تمسح كلماتك من فوق الأوراق.. أثرت غيرتي من كلماتك الصافية الصادقة حتى أنني تمنيت أن أموت ولو ساعات حتى يطمئن قلبي وأتأكد من إجابة سؤال.. هل يا ترى أعشش في خلايا القلب لابني مثلك؟ هل يكتب لرثائي مثلما كتبت.
ما أعظم إحساسنا بالسعادة وبالأمان حتى نتأكد من العرفان ونتأكد من الحب.. أرجو منك يا سيدي ألا تستأذن في وضع باقة ورد على قبر أمك رحمها الله.. مع خالص حبي نجوى إبراهيم.. «أم ومذيعة تليفزيون».
«مع خالص حبي» قراءة في خطاب يوميًا من الساعة 5.05 حتى 5.10 عصرا.
مواضيع ممكن تعجبك
أحدث الأخبار
You must be logged in to post a comment.