استضاف الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، في حلقة، يوم الأربعاء، من «لدي أقوال أخرى» على «نجوم إف.إم»، الكاتب إيهاب الملاح صاحب كتاب «سيرة الضمير المصري».
وقال الملاح، إن المقصود الضمير هنا هو مُجمل ما يجعل المنتمي لهذا الثقافة والحضارة مصريًا ولا أقصد به أي معنى من معاني الانغلاق أو الشوفينية، لكن لا أحد ينكر أنها كانت أقدم حضارة في هذا المكان على وجه الأرض، وهناك كتابان أشاروا إلى هذه الفكرة وهما: «فجر الضمير» لهنري بريستيد، و«قصة الضمير المصري الحديث» للكاتب صلاح عبد الصبور، وكانت مجموعة حلقات جُمعت في المجلد الـ11 من أعماله الكاملة.
وأوضح «الملاح» أن الأديب نجيب محفوظ هو من حفزه على بداية هذا المشروع، من خلال رواياته التاريخية والذي استهل بها حياته الأدبية، وكانت أولى رواياته «عبث الأقدار» في 1939 وأتبعها بـ«رادوبيس» و«كفاح طيبة»،والذي يمكنك فيها بعيدًا عن المبالغات والقشور، أن تسمع وترى وتشم الحياة في مصر القديمة.
وأشار إلى أنه من مواليد السبعينيات وتعرف على العالم حوله في الثمانينيات واصفًا تلك المرحلة بأنها كانت أكبر عملية مسح للعقل المصري تتم في هذا الوقت، من خلال تكفير التاريخ القديم، وأن تاريخنا هو فقط التاريخ الإسلامي.
وتطرق “الملاح” إلى شخصية شيخ العرب همام، الشخصية التاريخية التي جسدها الفنان يحيى الفخراني على الشاشة من كتابة السيناريست عبد الرحيم كمال، موضحًا أن أول من أشار إلى تشبيه حكم همام في الصعيد بالجمهورية هو رفاعة الطهطاوي، مشيرًا إلى أن هذا الرجل الذي تعود أصوله للمغرب العربي مارس مجموعة من الإجراءات والسياسات تقول إن هذه الأرض أرضي وهؤلاء شعبي، وقد امتد حكمه من جرجا في المنيا حتى إسنا في الجنوب، وقد أقام ما يشبه الدولة ذات السياسة والرؤية والتخطيط وقوة عسكرية من الهمّامية وصنع مجتمع مكتفي بذاته تمامًا قائمًا على استثمار غير مسبوق لثروات الصعيد العظيمة، لدرجة أن كتب التاريخ تقول أن حجم الثروة التي تراكمت في وقت همام شيء مذهل، مضيفًا أن الكاتبة زينب أبو المجد تناولت قصته في كتابها «إمبراطوريات متخيلة».
وتطرق للحديث عن “علي بك الكبير”، قائلا إنه رجل برجماتي عملي من الطراز الأول ففكر تفكير عملي، بأن من يستطيع الاستقلال بحكم البلاد سيضمن وجوده لفترة طويلة جدًا، فتحالف مع أمير عكا في الشام لتكوين جبهة قوية للاستقلال بجزء كبير من الدولة العثمانية.
وكان علي بك الكبير هو من أنهى حكم همام في طريقه لبناء دولته، واستخدم في ذلك محمد بك أبو الدهب، والذي استغل خيانة ابن عم همام الشيخ إسماعيل، ودارت الدائرة بعد ذلك ليخون «أبو الدهب» محمد بك الكبير، بدعم من قوى دولية عظمى، للقضاء على دولة علي بك الكبير في مقابل حكم محمد أبو الدهب لمصر.
وعن رفاعة الطهطاوي، أشار: “طوال الوقت بقول كيف لنا كمصريين وثقافة عربية ويناله من ناله من تهميش وظلم بل وهجوم كالعادة من التيارات الظلامية الجاهلة المتخلفة، ونقول على رائد التنوير الأول، بأنه حامل لواء التغريب وهذا الكلام الفارغ اللي بيتم ملئ العقول به منذ الصغر ويقولون عليه إنه (ودانا في داهية) لأنهم تصوروا أنه انسلخ من فكرنا وهذا التصور السلفي السائد، ولكن يجب أن يكون هذا الرجل جزء أصيل من مناهجنا الدراسية بمنطق الأفكار وليس السيرة، الرجل أزهري من أسرة مصرية صعيدية حسنة المنبت وأخواله كانوا من الأنصار، والناس اللي بيتطلعوا احتلال مكانة في المجتمع من خلال الانتماء للأزهر”.
وأردف: “وفي ذلك الوقت كان هناك عالم أزهري اسمه الشيخ (حسن العطار) ووصل لإمامة الأزهر، وأدرك مبكرا الأزمة إن الناس عايشة في جهل ولا بد من تجديد دماء الأفكار، وكان من نتائج الحملة الفرنسية إنه حصل صدمة، وكان من تطلعات العطار إنه يكون فيه جيل تتصل به الأسباب لهذه الأمم اللي ثبت أنها متقدمة سواء كانوا مسلمين أم لا، وكان تحت يده ظهر شاب مؤدب نابغة حصل العلوم التقليدية وتفوق فيها وتوسم فيه الخير، وقرر مع أول فرصة يستغل هذه القدرات وجاءت عن طريق أوحى لمحمد علي إن الجماعة اللي باعتهم يتعلموا فنون عسكرية وسناعة لازم لهم إمام أزهري ويوعظهم في الصلاة حتى لا يبوظ بهم الحال، وقال له خذ هذا الولد معهم وطلعوا فرنسا، وأوصاه أول حاجة تتعلمها الفرنسي وتتحول إلى مجموعة حواس مجردة تشوف وتسمع وبيفكروا إزاي وماذا يأكلون وكيف تكون دنيتهم وتقدمه لنا، والطهطاوي من وهو في الباخرة كان يكتب يوميات وكان أمينا صادقا مع أستاذه ونفذ كل ما قاله بالحرف، وكانت الثمرة الأولى الكتاب الأهم (تخليص الإبريز في تلخيص باريس) وعنوانه يعني الخلاصة الذهبية في تلخيص الأمة الفرنساوية كما كان يقول عليها”.
وشدد: “كان لدى رفاعة الطهطاوي مجموعة من النصوص أقل شهرة من تخليص الإبريز مثل (المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين)، أول من حدثنا عن المفاهيم الحديثة في السياسة والفكر المعاصر ولم نكن نعرف من قبله مفهوم الوطن والمواطنة أو الدستور، وكان مندهشا ومتعجب لما وصولوا إليه في الغرب وهما مش مسلمين وكشف أن هناك نظرة موروثة غير حقيقية أو صادقة ويتم الترويج لها باسم الدين، واكتشف أنهم ناس بيبحثوا عن العلم وفكرة المدنية والتمدن والحضارة، وبدأ يبحث عن أشباه لهذه الظواهر اللي كان يكتبها لأول مرة في التراث الإسلامي ونجح فيها بالفعل، ولم يخلع العمة ولكن تحتها فيه عقل وإضاءة ونور، وخرج من تحت يده عشرات اللذين تعلموا اللغات ومارسوا الترجمة، وكانت وفاته حدثا جلالا في مصر من أكبر رأس في الدولة الخديوي إسماعيل إلى بسطاء الناس، وأعلنت الدولة عليه الحداد، وبقي منه مدرسة الألسن أو كلية الألسن وهدفها تخريج أكفاء من اللغات لممارسة دورهم في الترجمة، وأنشأ التعليم في مصر ودعا لتعليم البنات وليس حكرا على البنين فقط، وكلام ثوري جدا في وقته، وترجم كتب في الفيزياء والطبيعة”.
إيهاب الملاح كاتب صحفى وناقد أدبى مصرى وباحث فى التراث الثقافى، يشغل منصب رئيس القسم الثقافى بمجلة أكتوبر و له عمود ثابت بجريدة الشروق، صدر له “مشاغبات مع الكتب” و”دار المعارف .. 125 عامًا من الثقافة” و”شغف القراءة.
مواضيع ممكن تعجبك